هذه يد يحبها الله ورسوله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وسلام على النبيّ
المصطفى
أما بعد
أخي الفاضل وأختي الفاضلة
تفضلوا وعلى بركة الله تعالى للاطلاع على النفحات المباركة في التأمل في قوله تعالى { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }المائدة38
جاء في التفسير الميّسر:- والسارق والسارقة فاقطعوا
- يا ولاة الأمر - أيديهما بمقتضى الشرع, مجازاة لهما على أَخْذهما أموال الناس بغير حق, وعقوبةً يمنع الله بها غيرهما أن يصنع مثل صنيعهما. والله عزيز في ملكه, حكيم في أمره ونهيه.
قيل :- أن قطع يد السارق يكثر العاطلين في الأمّة ويعطل الإنتاج !!
قلت :- أن الدنيا لا تعرف دينا دعا إلى العمل وكرّم اليد العاملة كما فعل الإسلام
واليد في نظر الإسلام هي
1- يد عاملة يكرّمها
2- يد عاطلة يعلمها
3- يد عاجزة يطعمها
4- يد عابثة يقطعها
وهو بهذا السلوك يعطي كل يد جزائها 000قال تعالى
{ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ }فصلت46 وللتوضيح أقول:-
1- أما اليد العاملة المنتجة فقد كرّمها الإسلام
وجعل ديتها لو اعتدي عليها ( خمسون جملا ) وهو نصف دية الرجل 0 حتى يحفظها من الاعتداء عليها 0
كما أن الإسلام كرمها معنويا فقد مدّ النبيّ صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم يده الشريفة ليصافح عاملا فأعتذر الرجل بأنّ يده خشنة فقام النبيّ صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم وقبّل يد العامل تكريما لها وقال ( هذه يد يحبها الله ورسوله ) 0
2- أما اليد العاطلة فيعلمها الإسلام كيف تعمل
والقرآن يروي لنا نموذجا لأمة خاملة { لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } جاءهم القائد العادل ذو القرنين فعرضوا عليه مالا ليجعل بينهم وبين عدوهم سدا 0 ولكنّ ذو القرنين لم يقبل أخذ المال وطلب منهم أن يعملوا بأيديهم لبناء الردم
{ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً }الكهف95
ثم طلب منهم أن يجمعوا مواد البناء من خيرات بلادهم { آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ } وظل القائد يعمل { حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ } طلب منهم أن يشعلوا النار وأن ينفخوا فيها {000 قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً }الكهف96
أي نحاسا ذائبا ليتماسك الحديد مع النحاس
لقد تمّ الردم وأصبح الشعب الذي كان بالأمس لا يكاد يفقه قولا أصبح يجري التجارب بفخر على الردم ويختبر صلابته
{ فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً }الكهف97
هكذا تحول الشعب الضعيف إلى صانع للحواجز العمالقة (الردم )
3- أمّا اليد العاجزة فالإسلام يطعمها
وحسبك أن تعلم التكافل الاجتماعي في الإسلام قام على خلق الإيثار
{وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الحشر9
وبناء مجتمع على الإيثار خلق لم تعرفه الدنيا في غير تلاميذ النبيّ صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم
4- أذا لم تبقى سوى اليد العابثة
إنها ليست منتجة فتحترم ولا عاجزة فتطعم
أنها لا تسرق من أجل الضرورة
لانّ الإسلام لا يقطع يد من سرق من أجل الضرورة
ولا من الجوع لانّ إطعام الجائع حق الفرد على الجماعة000
ولا تسرق هذه اليد لتتعلم
لانّ سارق كتب العلم والمصحف لا تقطع يده 0
إذا أنها تسرق استهتارا بالجماعة الإنسانية
وأمنها وتنفق في قتل الفضيلة وهتك الأعراض
إن الطبيب الماهر يستأصل العضو العاطل إذا علم أن بقاءه سيفسد الجسد 0
فان قال قائل :- لكن آية السرقة عامة في كل سارق وهذا يؤكد ما يقال من كثرة العاطلين
أقول :- إن السّنة الشريفة تفسر القرآن وتقيد المطلق00
وقد وضحت سنة النبيّ صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم وأفعال خلفائه من بعده – وهم تلاميذ النبي – أن السارق لا تقطع يده إلا إذا استوفت التهمة كل شروط الاتهام وأكدت الشريعة أن الشبهة تفسر لصالح المتهم وخطأ القاضي في العفو خير من خطئه في القطع ..
فلا قطع إذا سرق من الجوع
أو سرق من ابنه ، أو من أبيه ، أو من زوجته أو سرق من كتب العلم أو مصحف ولا قطع إذا سرق كتب الإلحاد والخمر والخنزير وأدوات اللهو ، لجواز سرقتها ليتلفها.
ولا قطع لمن سرق في ميدان الحرب لان الجيش بحاجة إلى يده.
و لا قطع لمن سرق مال الغنيمة قبل أن يوزع لان له فيه بعض الحق.
ولا قطع لو كان السارق صغيرا أو غير عاقل.
ولا قطع لو كان المال المسروق قد ترك في مكان عام بدون حرز وحراسة.
فلربّ سال يسأل
إذن من تقطع يده ؟
أقول له : العابث فقط الذي يسرق استهتارا بالقانون وينفق استهتارا بالفضيلة ..
فان قيل: أليس في هذه العقوبة قسوة ؟
أقول له : أقسى منها أن يعيش الإنسان غير آمن في المجتمع على نفسه وماله.
ثم كم يدا قطعها الإسلام حتى استتب الأمن في الجزيرة انه لم يقطع أكثر من ست أياد حتى انتهت دولة الخلفاء.
كم حادث سرقة يحدث في اليوم الواحد ويصبح السارق في غيابة السجن طاقة معطلة.
ثم اكرر أن الأيادي التي تقطع عابثة وليست منتجة.
فإذا قيل : أن ارتفاع مستوى المعيشة كفيل أن يقضي على السرقة بدون أي عقوبة.
أقول له : هل انتهت السرقة من المجتمعات الغريبة التي وصل منها الأمر إلى درجة الطفح الاقتصادي.
الم تحدث سرقات للبنوك في أوروبا ؟
وأقول للجميع :
ماذا على العالم الحائر لو جرب منهج الإسلام.
إن الذين يهاجمون شريعة الإسلام هم الذين يخافون على أيديهم أن تقطع ...
أقول ذلك :
حتى لا نخطئ فهم القرآن.
تأملات
وأقول ومن الله تعالى التوفيق
1- أنّ السد والردم شيئان مختلفان
فالسد هو حاجز مجّوف قد يكون له منافذ وحسب تصميمه
أمّا الردم فهو حاجز غير مجوف وليس له منافذ لذلك نجد القرآن العظيم والسنة الصحيحة قد ذكرت ما بناه ذو القرنين بالردم وليس بالسد مع كون القوم قد طلبوا منه بناء سدا
جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أم حبيبة عن زينب بنت جحش أن النبي صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم استيقظ من نومه وهو يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد سفيان بيده عشرة قلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث
2- أشار القرآن العظيم إلى طرق تعدين المعادن وعمل السبائك المعدنية
3- في قوله تعالى
{ فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً }الكهف97
نجد أن الله تعالى بين أعجازا رائعا حيث جاءت الكلمة الأولى بالتخفيف (اسْطَاعُوا ) لأنه لا يحتاج إلى جهد كبير ولا إلى استعمال آلات لفعل ذلك
بينما في الثانية جاءت مثقلة وبحرف التاء (اسْتَطَاعُوا ) لان الأمر هنا يحتاج إلى جهد كبير واستعمال الآلات لغرض ثقب الردم العظيم الذي تم بناءه من سبيكة الحديد والنحاس
4- إن الهاء في كلمة يَظْهَرُوهُ يعود إلى القوم الذين طلبوا بناء الردم وليس كما يتوهم البعض بأنه يعود إلى قوم يأجوج ومأجوج
حيث بين الحبيب المصطفى صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم أنه قد تم فتح فتحة صغيره من الردم في زمنه صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم
5- أنّ يأجوج ومأجوج هما من ذرية سيدّنا آدم عليه الصلاة والسلام
كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى
عن أبي سعيد ألخدري قال قال النبي صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم يقول الله عز وجل يوم القيامة يا آدم يقول لبيك ربنا وسعديك فينادى بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار قال يا رب وما بعث النار قال من كل قال تسعمائة وتسعة وتسعين فحينئذ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم فقال النبي صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم واحد ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبرنا ثم قال ثلث أهل الجنة فكبرنا ثم قال شطر أهل الجنة فكبرنا قال أبو أسامة عن الأعمش ترى الناس سكارى وما هم بسكارى وقال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين
وقوله صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم ومنكم واحد أي من غير يأجوج ومأجوج
6- أن الإسلام العظيم دعا إلى التكافل والى الزّكاة والى الصّدقة والى الإنفاق في طرق الخير حتى يعم المجتمع التكافؤ والسعادة وقد علمنا أن في زمن الخلافة الراشدة فد فاض المال ولا يوجد من يأخذه
والله تعالى أعلم وأحكم
قال تعالى
{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً }الإنسان8
{ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ }آل عمران92
{أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ }البلد 14
{00 فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ 00}المائدة 89
{ 00فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً000 }المجادلة 4
{ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ }الذاريات19
{ 00وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ 00}البقرة 177