الصفات العامة لبرج الدلو:
يتحكم في أقوال
مولود برج الدلو وأفعاله عاملان أساسيان هما الفضول والتحدي . من جهة يكسبه
الفضول الاهتمام الشديد بالأشخاص والحوادث والأمكنة والأزمنة دون أي
استـثـناء , ومن جهة أخرى يدفعه التحدي إلى التـــظاهر بالطرافـــة
والغرابة وبالخروج عن الطريق السوي في بعض الأحيان لمجرد أن يُثبت أنه قادر
على رفض العادات والتـقاليد . وكلا العاملان هبة من الكوكب " أورانوس "
الذي يرعى برج الدلو .
يتمتع إنسان برج الدلو بعينيـن تـلوح فيها بوادر حلم غامض يصعب على
الآخرين إدراكه , ويوحي رأسه المائل باستمرار بأنه مشغول بحلّ قضية أو
بإيجاد رد على سؤال ما .
طريف ومتمسك بحريته واستقلاله . ليس في ذلك أدنى شك , ولكنه يبدو تارة
صلفاً مغروراً وطوراً خجولا ً مسالماً . ومهما يكن من أمره يبق هدفه
الأساسي الصداقة , فهو يطمئن إلى البشرية عامة على الرغم من تعطشه إلى
العزلة بين الحين والآخر . ولكن أصدقاءه المقربـين قلائل نظراً إلى اهتمامه
بمعارفهم لا بنوعيتهم . إذا ثار هذا الإنسان ضد التـقاليد الموروثة
فلاعتـقاده أن العالم بحاجة ماسة إلى التغيـير الجذري المستمر . ومن عادته
العيش في المستقـبل بدلا ً من الحاضر مستبقاً الزمن عشرات السنين على أقل
تـقدير . لذلك يصعب على الكثيرين فهمه وخصوصاً لأنه ينتمي إلى صفوف
العباقرة والمجانيـن وبين العبقرية والجنون خط واهٍ كما نعلم .
شخصية مولود برج الدلو مزيج مركب من البرود والروح العملية وعدم
الاستـقرار . ميزته العجيبة تكمن في قدرته على تهدئة الأعصاب المتوترة سواء
عند الأطفال أو البالغين . بالإضافة إلى ذلك يتمتع بفكر نيّر وعقل راجح
يحولان دون التسرع في إصدار الأحكام . ثم إنه يعتبر جميع أفراد البشر أشقاء
مهما اختـلفت بيئتهم ومراكزهم الاجتماعية أو المادية . ومع أنه يرفض
العزلة مدة طويلة ويسعى للاحتكاك المستمر بالناس إلا أنه يأبى الارتباط
بمواعيد محددة مُـفضلا ً ترك المسألة للظروف . ولكنه إذا وعد وفى دون أي
تردد .
يُصرّح مولود برج الدلو بآرائه دون أن يفرضها على الآخرين ليقينه أن لكل
شخص ظروفه الخاصة , وأن الفردية أمر لا غنى عنه في الحياة . من أهم مثله
العليا المساواة والأخوة والحرية والحب والحقيقة والتجربة والتأمل . لكن من
النادر أن يُحارب من أجل أهدافه . إذا وجد نفسه في قلب المعركة مُرغماً
ردّ بأسلوب أعمى ودون أي تميـيـز , أو اختار الواقع إنهاءً للمشكلة . لهذا
السبب يتهمه البعض بالجُبن مع أنه ليس كذلك . والبرهان على شجاعته تمسكه
برأيه وعدم التراجع عنه بين عشية وضحاها كما يفعل الآخرون .
هذا الإنسان كثير المفآجات حتى بالنسبة إلى أصدقائه وأتباعه . وسبب ذلك
رفضه الإفصاح عن غاياته أو عن الطرق المؤدية إليها الأمر الذي يدفع البعض
إلى كرهه ولومه بقسوة . وهو من جهته لا يمنح ثـقته للآخرين إلا بعد تدقيق
وتمحيص طويلين . لكنه متى رضي عن شخص منحه حبه وثـقته الكاملين , ودافع عنه
دفاع الأبطال . من ناحية أخرى تبدو ذاكرته ضعيفة نسبياً بسبب قلة انتباهه
وعدم استعداده لحفظ ما هو تافه وغير ضروري . ومع ذلك يتمتع بحسّ مُرهف قلما
يتوفر لغيره من مواليد الأبراج الأخرى . بل أن حاسة سادسة تجعله يسمع أو
يرى الأشياء قبل حدوثها . وعلى الرغم من ذلك يرفض المعتقدات الخرافية ما لم
يجد فيها مبرراً علمياً يتـقبله عقله .
هذا الإنسان مثالي يكره الكذب والخداع والرياء , ويتمسك بكلمة الشرف إلى
حدّ الاستماتة في سبيلها , ويكره أيضاً الديون والقروض على اختلاف أنواعها ,
ويُفضل عليها الحرمان أو العطاء دون مقابل . لكن مثاليته من نوع خاص إذ
تجعله يتخلـّى عن القضايا الخاسرة . يُضاف إلى هذا أنه متحرر فكرياً
وجسدياً , ولهذا السبب يصعب على أي كان ربطه أو أسره فترة ولو وجيزة .
إن مولود برج الدلو بحكم تأثره بالكوكب أورانوس رمز التغـيير والحركة
والتحدي ينتمي إلى الإنسانية بأجمعها , ويُمثـل تطلعاتها وآمالها ومثلها
العليا .
الطفل الدلو :
الطفل في برج
الدلو طفل حساس عنيد مستـقل وصاحب نزوات تبدو لأهله والمحيطين به أشبه شيء
بالموجات الكهربائية أو الإشعاعات الذرية . لكن هذه الظاهرة لا تعود
مستغربة متى عرفنا أن الكوكب أورانوس يُؤثر في هذا الطفل ويُكسبه غرابة
الأطوار التي تـُعرف عنه .
يتمتع الطفل في برج الدلو بدماغ مُعقد هو مزيج من التـفكير الواقعي
والمنطق السليم والحس المرهف الأمر الذي يمنح شخصيته طابعاً سلبياً يجعله
يرفض الانصياع للأوامر ما لم يقتـنع بها أولا ً , كما يمنحه مزاجاً مملوءاً
بالتـناقضات . يحاول في الواقع أن يبدو مختلفاً عن بقية الأطفال فلا
يتوانى من أجل ذلك عن الظهور بمظهر الشيوخ الحكماء أو الأشخاص الغريـبي
الأطوار . يتمنى مثلا ً الخروج تحت المطر أو يلزم غرفته المغلقة في الجوّ
الصافي الجميل .
قد ينجح هذا الطفل في المدرسة نجاحاً باهراً يقوده إليه منطقه السليم أو
يفشل فشــلا ً ذريعاً بسبب قلة انتباهه وعدم مقدرته على التركيز . ومن
مشاكله الرئيسية في تلك المرحلة المبكرة من عمره ضعف الذاكرة وتـشتت
الأفكار , فإذا لم يُعالج منهما في الوقت الملائم تـفاقم أمره على مر
السنين وأصبح فيما بعد إنساناً شبه ضائع . يجب في الواقع تـشجيعه على
ممارسة الرياضة وعلى الخروج من دائرة بيته الضيقة كي لا يبقى أسير جسمه
البطيء وأحلامه السريعة المتيقظة .
يكره الطفل في برج الدلو العصافير والأشجار والشواطئ والغابات وجميع
الأشياء الأخرى التي يألفها الأطفال عادة , ويُفضل عليها اكتشافاته الخاصة
الأكثر تعقيداً , كما يكره المسؤولية والواجب ويُفضل عليهما أساليب العيش
الأبسط والأسهل . لهذا السبب يُصبح من واجب أهله أن يُـنموا فيه هذه الروح
التي يفتقر إليها إذا أرادوا له في المستـقبل دوراً في المجتمع بنـّاءاً
وإيجابياً .
على الرغم من غرابة أطواره ينجح هذا الطفل في استقطاب أكبر عدد من
الأصدقاء من مختلف الأعمار والطبقات . ومع ذلك يبقى بعيداً عن التجارب
العاطفية التي يمر بها سواه من الأطفال وخصوصاً في مرحلة المراهقة .
والحقيقة أن الطفل المنتمي إلى برج الدلو يُفضل على حب الفرد الواحد حبّ
الإنسانية بأجمعها .
هذا ويتأثر بمشاكل أهله تأثراً بالغاً يحاول إخفاءه بجميع الوسائل . إن
جميع ما يراه ويسمعه في طفولته يبقى في الواقع منقوشاً في ذاكرته حتى آخر
نسمة من حياته . وليس هذا فحسب بل إن في استطاعته قراءة أفكار الآخرين
والتكهن بتصرفاتهم قبل حدوثها ولهذا السبب بالذات يجب على أهله أن يُؤمنوا
له جواً عائلياً يسوده الهدوء والتـفاهم والانسجام , وتراعى فيه طبيعته
الغريبة هذه .
يُقال أن هذا الطفل يولد ناضجاً بكل معنى الكلمة . وهو منذ البداية يضع
لنفسه أهدافاً يجهلها غيره من الأطفال العاديـين . ومع أنه يجهل في أي
اتجاه يسير باستمرار إلى أن يصل إلى غايته المنشودة .
الرجل الدلو :
قد لا نستطيع
القول أن الرجل في برج الدلو يحب جميع الناس حباً صادقاً ومجرداً , ولكن في
استطاعتنا التأكيد أنه يعتبر جميع الناس دون استـثـناء أصدقاءً جديـرين
باهتمامه . والبرهان على ذلك كلمة " صديقي " التي تـتردد على لسانه أكثر من
مرة حتى في حديثه مع خصم أو عدو . إن شعور رجل برج الدلو تجاه الآخرين هو
في الواقع شعور غامض مُعقــّد إذ يُحيط نفسه بالكتمان الشديد ويعتبر في
الوقت ذاته كل شخص أو حادث تجربة ذهنية تستحق منه الفضول والتحرّي .
حياة هذا الإنسان سلسلة حوادث مفاجئة وتقـلبات وتناقضات ومع ذلك يُعتبر
وجوده مصدر راحة نفسية للكثيـرين بينما هو يقـلق في سعيه وراء الألغاز
والقضايا العويصة والأهداف البعيدة المرمى . إنه نموذج الإنسان الواسع
الصدر الذي يُقـنع نفسه حتى في حالة الحب والغرام بأن قلبه متسعاً لحب
العالم بأجمعه . وهو بهذه المناسبة قليل الاهتمام بالمرأة الواضحة كالكتاب
المفتوح بينما ينجذب بشدة نحو المرأة التي تـُثير حيرته بغموضها وتكتمها .
يتظاهر هذا الإنسان بالطاعة والولاء , فيبدو هادئاً مستكيناً ولكن هدوءه
أقرب إلى السراب منه إلى الحقيقة . لذا ما أن يشعر باستغلال البعض – ومنهم
زوجته – لطيبته حتى ينتـفض بقوة ويرد على المستغلين بصلابة غير متوقعة .
ومع ذلك يمكن القول إن إعجابه بالمرأة ذات الشخصية القوية والإرادة الصلبة
لا يُوصف . مثلا ً يتمنى ألا تغفر زوجته خطاياه بسرعة كي لا يخيب أمله في
صلابة معدنها . يتزوج هذا الرجل في سن متأخرة بسبب انهماكه في الصداقة دون
الحب , ولاعتباره الانفعالات العاطفية والعلاقات الجنسية أمراً يثـقل عليه
ولا يمنحه السعادة المتكاملة . وهو على كل حال لا يختار سوى المرأة التي
تـُـشبع غريزة الصداقة فيه , وإذا صدر عنها ما يُزعجه في المستقبل تخلى
عنها دون صعوبة تـُذكر وبقي صديقاً لها لا أكثر . هذا من ناحية , ومن ناحية
أخرى غيرته على الزوجة قليلة وثـقته بها كبيرة حتى تــُثبت العكس . وهو
يتصرف في حضورها وغيابها تصرفاً لائقاً على الرغم من كثرة الأصدقاء الذين
يشغلونه عنها . إنه صادق صريح يروي الحقيقة إذا سُئل , ولكنه يتعمد الكذب
والتـلفيـق إذا شـُكّ في أمره دون مبرر .
رجل برج الدلو نظيف , يحب النظافة إلى حدّ المرض , مصاب ببعض العقد كعقدة
الحساسية تجاه بعض الأماكن والأشياء والعادات . أمّا كرمه فمن نوع خاص
يجعله يُنفق ببذخ أحياناً , وينـتقد تبذير زوجته أحياناً أخرى . لا يعتبر
المال أحد أهدافه الرئيسية ولكن الحياة بقربه مملوءة بالمفاجآت ولو خلا
بيته من النقود . وهو كفيل بإدخال البهجة إلى قلب زوجته في أي وقت كان ما
عدا المناسبات كالأعياد وغيرها التي يُهملها عادة بسبب ضعف ذاكرته الشديد .
يحب رجل برج الدلو أولاده جباً شديداً يدفعه إلى الاهتمام بهم وبألعابهم
وعاداتهم وكل ما يخصهم من قريب أو بعيد . من حسناته كأب قدرته على الإصغاء
إلى أحاديث الصغار فترة طويلة دون الشعور بالملل أو الضيق . والمعروف عنه
تعلقه بحبه الأول والعودة إليه – إذا سنحت الظروف – بعد سنين طويلة . وسواء
تزوج هذا الرجل صديقة الطفولة أو لم يتزوج فما من شك في أن المرأة التي
يختارها قلبه تجد نفسها كأنها " أليس في بلاد العجائب " .
المرأة الدلو :
أساس طبع المرأة
المولودة في برج الدلو التـناقض سواء في الحب أو في غيره من الميادين .
لكن تـناقضها هذا يظهر بوجه خاص في الحب حيث تستطيع الجمع بيـن الإخلاص
التام وقلة الاهتمام وعدم الارتباط في آن واحد . ولا غرابة في الأمر ما دام
الهواء عنصرها كما يُؤكد علماء الفلك .
المرأة في برج الدلو مرتبطة من الوجهة العاطفية بكل إنسان وبالتالي بلا
أحد . صحيح أنها رقيقة في الحب, ولكنها تبدو غامضة متكتمة , فلا هي موجودة
تماماً مع من تحب ولا هي غائبة عنه تماماً . إن أقدس الأشياء في نظرها
حريتها وصداقاتها المتعددة ومشاريعها الكثيرة . فإذا نوى الرجل أن يسعد
بقربها عليه أن يرخي زمام حريتها وألا يتذمر إذا خطر ببالها العودة إلى
الدراسة أو الالتحاق بجمعية أو السفر إلى مكان ناء يُـتيح لها التأمل
والاستجمام . مقابل ذلك تـتمتع هذه المرأة بخصال حميدة لا يسع الرجل سوى
الإعجاب بها . يكفي أن المال في نظرها شيء ثانوي إذا قورن بغيره من أسس
السعادة , وأن غايتها الأساسية إيصال زوجها إلى أعلى مراتب النجاح والمكانة
الاجتماعية , وأن في استطاعتها التكيّف لجميع الأوساط والطبقات دون التخلي
عن رقتها وذكائها اللذين منحتها إياهما الطبيعة .
المرأة في برج الدلو قليلة الانفعال في الحب , تـتمنى في بعض الأحيان لو
تستطيع الاكتفاء بالعلاقات العذرية . وهي أيضاً قليلة الغيرة , ترفض الشك
فيمن تحب ما لم تلمس خيانته بنفسها . وفي هذه الحالة تـشعر بالأسى العميق ,
ولا تـتردد في الانفصال عنه مع الإبقاء على صداقته . إنّ الطلاق أمر سهل
على هذه المرأة نظراً إلى تعدد صداقاتها وإلى طبعها الانفرادي الذي يُتيح
لها الاستغناء عن الرجل استغناء تاماً في بعض الأحيان .
المرأة في برج الدلو أنثى جميلة جداً بل إنها – بعد مولودة برج الميزان –
أجمل نساء الأبراج قاطبة . لكن جمالها من نوع خاص يطرأ عليه التغيـير
والتبديل . فهي تخلط بين الثياب والمناسبات الاجتماعية , ولا تـتردد في
الظهور بأحدث زي وتسريحة تارة وبزي قديم يعود إلى زمن جدتها تارة أخرى .
تصرفها عموماً يتسم بالخجل والتهذيب , وحديثها ينم عن الذكاء واللباقة ,
لكن عيـبها البسيط هو تـنقلها المستمر من موضوع إلى آخر دون سابق إنذار .
تعتبر الأمومة في نظر هذه المرأة مرحلة دقيقة تـتطلب منها التكيّف
والتضحية , وهي التي اعتادت أن توزّع اهتمامها على جميع الناس والأحداث .
لا ريب أنها تحب أولادها وترعاهم ولكنها تبدو دائماً قليلة التعلق بهم .
ولا يمنعها ذلك من أن تكون مربية فاضلة تبث فيهم روح الإخاء والتضحية ,
وتصغي في الوقت نفسه إلى مشاكلهم بصدر رحب وقلب مفتوح دون أن تخنقهم
بعاطفتها واهتمامها الزائدين . بالنسبة إلى الزواج تبدو هذه المرأة مترددة
حائرة تسعى إلى الجمع بين الحب والصداقة ولا تختار شريك عمرها إلا بعد
تدقيق وتمحيص طويليـن . من الأشياء التي تكرهها في الرجل الغيرة وحب التملك
والتبذير القائم على الاستدانة أو الرهن أو ما شاكلهما .
أخيراً تـتمتع هذه المرأة بحاسة سادسة تمنحها قدرة خارقة تبدو كالسحر في كثير من الأحيان .
المدير الدلو :
إنّ وجود مواليد
برج الدلو على رأس الشركات والمؤسسات أمر نادر الحدوث لسبب وجيه هو أنهم
يُفضلون البطالة على الالتزام بأعمال وأوقات وأماكن محددة . إنهم بطبعهم
يكرهون إصدار الأوامر واتخاذ القرارات وترؤس الجلسات الرسمية على اختلاف
أنواعها . ومع ذلك ما أن يمضي على وجودهم على رأس العمل بعض الوقت حتى يشعر
الآخرون أنهم جزء لا يتجزأ من العمل , لا يُمكن الاستغناء عنهم .
على الرغم من العوامل السلبية التي يتمتع بها رجل برج الدلو , كالخجل
والنسيان والإهمال والتقلـّب وغير ذلك , يتحلى بخصال إيجابية عظيمة منها
الفكر الحاد والمنطق السليم والحدس العظيم ووضوح الرؤية ممّا يُتيح له
معرفة المستقبل واستعراض خطوط القضايا العامة في الوقت الذي يضيع فيه غيره
في تـفاصيل الأمور وهوامشها . ومع ذلك كثيراً ما يقع ضحية ذاكرته الضعيفة
فينسى مثلا ً اسم سكرتيرته الخاصة التي تلازمه منذ سنوات . على أن النسيان
لا يمنعه من أن يكون فضولياً يتحرّى خصوصيات موظفيه لا لسبب سوى التمكن من
درس الطبيعة البشرية . وهو في محاولاته الاستكشافية هذه لا يُقاضي أحداً
ولا يُوجّهه أو يحتـقره . كما أنه يرفض أن يُثار أو يُصدم من أمر مهما كان
فظيعاً . ثم إنه يأبى تميـيز شخص من آخر , كما يأبى أن يصدر الأحكام سلفاً
معتبراً جميع الناس أصدقاء جديرين بودّه واحترامه .
يتوخى رجل برج الدلو في العاملين معه الصدق والاستقامة , ولكنه لا يعبأ
كثيراً بأفكارهم ومعتقداتهم الخارجة عن نطاق العمل . إنه رجل حق وعدالة ,
يُكرم من يستحق الإكرام ويُعاقب من يستحق العقاب دون أن يتخل عن تهذيبه
ونعومته . كما يؤمن بجدوى الأعمال المشتركة فيترك لسواه حق المبادرة في
اتخاذ الرأي وفي تحمّل المسؤولية .
في هذا الإنسان طرافة لا تـُنكر . فهو مستعد دائماً لإجراء التغيـيرات
سواء في نظام العمل أو في المواعيد أو حتى في تـنسيق المكتب دون علم
الموظفين العاملين معه . بالمقابل لا يحاول التدخل في شؤونهم أو عاداتهم أو
مظهرهم الخارجي , ولهذا السبب يجد نفسه مُحاطاً بزمرة متضاربة الأذواق في
المأكل والمشرب والعادات واللباس وغير ذلك .
هذا الإنسان قادر على الكلام والإصغاء والاختلاط بالناس تماماً كما هو
قادر على الصمت والتأمل والعزلة فترة غير وجيزة . لكن مهما كانت حالته
النفسية يعتبر جميع العاملين معه , حتى المنافسين له , أصدقاءه وأحباءه. من
ناحية أخرى يُحاول دائماً الفصل بين عمله وعائلته فتمر الأشهر والسنوات
دون أن يزور مكتبه قريب أو أن تـقع عيـن موظف على زوجته أو أولاده . هذا
ومن الأشياء التي يرفضها بإصرار التبذير وتوزيع المنح دون مبرر , وإقراض
الموظفيـن جزءاً من مرتبهم خارج أوقات الدفع .
إنه باختصار إنسان غريب الأطوار كثير الأخطاء قليل الكفاءة إذا ما قورن
بغيره من أرباب العمل التابعين للأبراج الأخرى . ومع ذلك ينجح في الحصول
على مكانة رفيعة وقدر كبير , ولا يُستبعد أن يختار يوماً بالإجماع كأفضل رب
عمل في الأوساط التي تعرفه .
الموظف الدلو :
إن التعرّف إلى
رجل برج الدلو في إطار العمل مسألة سهلة لا تحتاج إلا إلى دقة الملاحظة .
فلو استطعنا مثلا ً مراقبة مجموعة من الموظفين ووجدنا أن أحدهم يبدو ضعيف
الذاكرة مُشتت الأفكار قليل الاهتمام بزميلات العمل ومُحاطاً بعشرات
الأصدقاء أمكننا الجزم بأنه مولود برج الدلو . ولو سألنا رأي الآخرين فيه
لقالوا أن العمل معه مُثير لكونه الوحيد بينهم الذي يستبق الزمن ويُحلق في
أجواء المستقبل ويعود إلى الحاضر من وقت إلى آخر وفي جعبته أفكار مذهلة
جداً .
إن تأثير هذا الموظف في زميلات العمل قوي جداً وإن كان غير مقصود .
فاللامبالاة التي أورثه إياها الكوكب أورانوس تـُشكل تحدياً سافراً لأنوثة
المرأة فتضطر إلى الدخول معه في معركة عاطفية تعيد إليها كرامتها المسلوبة .
أما هو فقد يعيش معها جنباً إلى جنب الأسابيع والأشهر دون أن يبدو شاعراً
بوجودها , ثم فجأة يُصارحها بالإعجاب بأسلوب فذ يتركها شبه مذهولة . هذا من
ناحية , ومن ناحية أخرى حبذا لو يستمع رب العمل إلى أفكار هذا الموظف على
الرغم من طابعها الوهمي والخرافي , فربما عادت عليه بالفائدة في يوم من
الأيام .
لا شك في أن هذا الموظف إنسان هادئ متـزن , ومع ذلك يرفض الارتباط بعمل
واحد ولا يُستبعد أن يجمع بين وظيفته الأساسية وأعمال أخرى متـنوعة كالرقص
والتلحين والغناء والتصوير والكتابة والرياضة , حتى علم الجيولوجيا , كل
ذلك بغية اكتشاف نفسه كما يقول . فإذا ما تم له ذلك اكتـفى بالشيء الوحيد
الذي يُلائمه وداوم عليه بقية عمره .
لا يُمكن القول إن هذا الرجل عاطفي بطبعه . فهو يقـف من الحياة والناس
موقفاً علمياً بحتاً . وإذا بدر منه انفعال ما , كان السبب دون ريب حالة
نفسية طارئة لم يعتد مثـلها من قبل . بالرغم عن ذلك لا يمكن أن تخلو حياته
يوماً من الأصدقاء . ولكنه سريع التبديل يفشل في ملازمة صديـق فترة طويلة
كما يفشل في التركيز على صديق واحد , ولهذا يُقال إنه يُعطي من الصداقة
والود أكثر كثيرا ً مما ينال .
هناك نموذجان لرجل برج الدلو في الوظيفة . الأول هادئ متـزن يبدو
كالفيلسوف أو المدّرس , ويُدخن الغليون غالباً , ويعيش في بيت فخم , ويُحيط
نفسه بتحف غريبة جمعها من أنحاء العالم . والثاني عالم مخترع غريب الأطوار
يُقيم في مسكن وضيع تسوده الفوضى وينتـشـر في أرجائه الغبار , ويُحيط نفسه
بأدوات وأجهزة عجيبة من صنعه . وكلا النموذجيـن طيب ذكي ضعيف الذاكرة
مُرهف الحسّ ينضح بالمعرفة , ويُحيط نفسه بعشرات الأصدقاء من مختـلف
الأعمار والمستويات ويهرب من الزواج , ويُمارس بعض العادات الطريفة .
وسواء انتمى الموظف إلى هذه الفئة أو تلك فإنه جديـر بثـقة رؤسائه ومحبة
زملائه . يُحافظ على مصالح الشركة التي يعمل فيها وعلى أسرارها دون أن يسعى
للفائدة المادية التي تعتبر في نظره مسألة ثانوية تماماً كالزوجة . ومع
أنه قليل الطموح إلا أنه يتمتع بأرجح عقل إذا ما قورن بموظفي الأبراج
الأخرى , ولهذا يستحق أن يُصبح يوماً شريكاً لرب العمل أو على الأقل نائباً
له .