لو كنت مكان كامل أبوعلى.. رئيس النادى المصرى.. ما أنفقت ستة ملايين جنيه على النادى المصرى فى شكل رواتب وأجور ومكافآت وانتقالات للفريق الأول فى أقل من ستة أشهر.. ولو أنفقت هذه الملايين بدافع الحب والاقتناع والانتماء للنادى المصرى.. ما أعلنت ذلك أبدا ولا أشرت إليه صراخا أو همسا، وتصريحا أو تلميحا.. ولكننى لست كامل أبوعلى ولا مكانه ولا أحب أن أكون.. ولست ضد الرجل ولا أنوى محاسبته ولا أملك أصلا هذا الحق أو تلك الرغبة..
ولكننى فقط رأيت فى حكاية كامل أبوعلى مع المصرى.. التى شارفت على نهايتها بعد انفجار الصراعات وتبادل الاتهامات والخسارة أمام الزمالك أمس الأول.. تجسيدا واضحا وفادحا لواحدة من أهم وأقسى خطايا الرياضة فى بلادنا.. أن يمنح مسؤولو الرياضة الكبار أو المحافظون مفاتيح الأندية الشعبية العريقة ومقاليدها وأمورها للأغنياء ورجال الأعمال الكبار.. صحيح أنه فى بعض الحالات كان الأمر يتحول إلى مجرد مجاملات شخصية ومواءمات سياسية وأحيانا رد الجميل والتعبير عن الامتنان، وأحيانا كان صفقة شخصية يعقدها الذى باع النادى سرا وقبض الثمن مع الذى اشترى ودفع فوق المائدة وتحتها.. لكن تلك كلها استثناءات يمكن تجاوزها أمام تصور عام لدى هؤلاء المسؤولين بأن هذه الأندية مع هؤلاء الأغنياء ستتخلص من هموم الفقر والحاجة، وبالتالى لا تبقى الدولة مضطرة لأن تعولها تاركة هذه المهمة لمن هم على استعداد لأن يدفعوا الكثير جدا طلبا للشهرة أو السلطة أو الوجاهة الاجتماعية..
وبالفعل يتسلم كل واحد من هؤلاء الأغنياء نادياً ويبدأ رئاسته بالكثير من قصائد العشق والغرام.. وفجأة.. تتوقف اليد التى كانت سخية عن الإنفاق، إما لأن الأمر بات فوق ما يمكن احتماله وتحولت الفواتير إلى عبء ثقيل وموجع.. أو لأن الأهداف الأخرى تحققت بالفعل فانتثرت الصور فى الصحف وازدانت الشاشات بكلام الرجل ورؤيته وغرامه بالنادى.. وسرعان ما يبدأ الشقاق وتأتى لحظة الحساب فيقع الطلاق بين النادى والرئيس ليبدأ البحث عن رئيس جديد على استعداد لأن يشترى أو يدفع ثمن شهرته ووجاهته.. هكذا دون أن نتوقف مرة واحدة لتأمل ما جرى ومعرفة إن كانت تجربة الاستعانة بالأغنياء فى إدارة الأندية تجربة ناجحة أم فاشلة ومربكة ومقلقة ولم تأت بأى مكاسب حقيقية على الإطلاق..
فلم يحدث أبدا أن نجح رجل أعمال واحد فى تحويل النادى المتعثر إلى مؤسسة راقية إداريا ومستقرة ماليا.. ولم يتسلم أى منهم ناديا مديونا ومفلسا وتركه وقد بات ليس فى حاجة لأى مدد أو إحسان من أحد.. ولم ينجح كامل أبوعلى حتى الآن فى تغيير حقيقى لأحوال المصرى ولم يضع منهجا لتحويل النادى العريق إلى مؤسسة مزدهرة، ولم يطرح رؤية لاستثمار شعبية النادى وتحويلها إلى قوة حقيقية وأرصدة مالية دائمة يملكها النادى.. ولا يزال الرجل يدفع من جيبه كل شهر رواتب وأجور موظفى النادى.. وإذا كان كامل أبوعلى يفسر ذلك بحبه وارتباطه بالنادى المصرى فأنا أصدقه.. ولكننى لا أظن أن المصرى استفاد شيئا حقيقيا أو دائما من تلك التجربة..
ولست ضد كامل أبوعلى كشخص.. ولست فى المقابل مع هؤلاء الذين يعارضونه الآن.. وأرى أن المصرى ضحيتهم جميعا.. كلهم شهروا أسلحتهم وباتوا أسوداً فى خناقة رخيصة على منصب نائب الرئيس.. بينما كانوا كلهم أرانب أمام الوزير المحافظ وهو يشطب اسم المصرى من فوق ملعبه ليصبح استاد بورسعيد.