عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مرحبا بكم في حلقة جديدة من برنامج الشريعة والحياة. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {..فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُواْ فِي اْلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[التوبة:122]، هذا الأمر الإلهي لا يعدو كونه مثالا بارزا لحث المؤمنين على أن ينفروا طوائف لتأمين متطلبات معاشهم وعاقبة أمرهم في المجالات كافة, أما في واقعنا المعاش فقد أدى استيلاء الدولة الحديثة على تفاصيل الحياة اليومية إلى كف أيدي الناس عن المساهمة في كثير من شؤونهم العامة ورافق ذلك تسويق فهم قاصر للتدين يحصره في إطار المسجد والممارسة الفردية وكادت فروض الكفاية تصبح مسخا على صورة صلاة الجنازة ودفن الموتى فأضحى المسلم أسير فهم قاصر ومختزل للتدين وسلطة متغولة تكاد تعد عليه أنفاسه ولا تترك له من الأمر شيئا. إن شحذ الهمم في هذه الأمة يتم عبر الفهم الصحيح لواجبات الدين وذلك لتنظيم سير الحياة وحلقاتها المتداخلة وإزالة بصمات عصور التخلف التي تضمنت تهميش الحياة العامة ومقتضيات النهوض والتنمية. فما معنى الواجب الكفائي؟ وكيف يؤدي تفعيل فروض الكفاية إلى تنمية الشأن العام؟ وماذا عن آثار الفهم القاصر لذلك كله؟ فروض الكفاية ودورها في بناء الأمة موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة الدكتور محمد كمال إمام أستاذ الشريعة الإسلامية في كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية. مرحبا بكم دكتور.
محمد كمال إمام: أهلا وسهلا أخ عثمان.
معنى الفروض الكفائية وعلاقتها بالفروض العينية
عثمان عثمان: بداية ماذا نعني بالفروض الكفائية؟
"
الفرض دائما عند جمهور الفقهاء هو ما يثاب الإنسان على فعله ويعاقب على تركه أما فروض الكفاية فهي تأتي ضمن تقسيمات الفرض وهو الفرض الذي يكفي أن يقوم به بعض المكلفين فيغني ذلك عن المكلفين جميعا
"
محمد كمال إمام: يعني قبل أن نعرف الفرض الكفائي نعرف الفرض، الفرض عند جمهور الفقهاء هو ما يثاب الإنسان على فعله ويعاقب على تركه، لأنه يجيء طلبه طلبا جازما لا يستطيع الإنسان أن يتخفف منه أو أن يتخلى عنه، إذاً الفرض عموما عند جمهور الفقراء لأن الأحناف يفرقون بين الفرض والواجب، الفرض دائما عند جمهور الفقهاء هو ما يثاب الإنسان على فعله ويعاقب على تركه. أما فروض الكفاية فهي تجيء ضمن تقسيمات الواجب أو ضمن تقسيمات الفرض وهو الفرض الذي يكفي أن يقوم به بعض المكلفين فيغني ذلك عن المكلفين جميعا لكن إذا امتنع عنه الكل أثم الكل، إذا لم يقم به البعض أثم الكل، وبالتالي ففرض الكفاية إنما لا يتعلق بالفرد نفسه وإنما يتعلق بالفعل، ينبغي أن يتم ينبغي أن يسري في المجتمع ينبغي أن يقوم الناس بواجب الطب ينبغي أن يقوم الناس بواجب التعليم ينبغي أن يقوم الناس بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينبغي أن يقوم الناس بواجب معرفة الأسلحة ينبغي أن يقوم الناس بواجب معرفة التجارة كل هذه واجبات كفائية يكفي أن يقوم بها مجموعة من الأفراد فيسقط التكليف بعد ذلك عن الآخرين أو يسقط الإثم عن الآخرين أما إذا امتنع..
عثمان عثمان (مقاطعا): بماذا يتميز الفرض الكفائي عن الفرض العيني؟
محمد كمال إمام: الفرض العيني أمر لا بد أن يقوم به كل فرد على حدة ولا يغني غيره عنه أما الفرض الكفائي فإذا قام به مجموعة فأغنى ذلك المكلفين جميعا وإذا لم يقم به أحد أثم المسلمون جميعا، هناك فرق كبير بين هذين الفرضين أو بين هذين الواجبين، الفرض العيني يراعى فيه الفعل والفاعل، لا بد أن يتم هذا الفعل وأن يتم من خلال ذلك الشخص الذي متعين عليه أن يقوم بأداء ذلك الواجب بينما الفرض الكفائي الأصل فيه أن يتم الفعل أن يتم الواجب أن يتم الفرض لكن ليس مهما أن يقوم به كل فرد بعينه وإنما إذا قامت به مجموعة سقط الفرض عن الآخرين أو سقط الإثم عن الآخرين أما إذا لم يقم به أحد من المسلمين أثم المسلمون جميعا. والواجبات الكفائية ربما تشمل الحياة كلها، تشمل الحياة بجوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا تتعلق بالفرائض الخاصة بالعبادات فحسب ولا تتعلق بالمعاملات فحسب وإنما تتحرك على دنيا الناس كلها.
عثمان عثمان: طبعا سنخوض في تفصيلات الفروض الكفائية ولكن قبل ذلك فضيلة الدكتور البعض يرى أن تسمية هذه الفروض الكفائية بهذا الاسم هي تسمية غير موفقة وربما أدت إلى إساءة فهم هذه الفروض الكفائية وعدم تقديرها وإعطائها أهميتها يعني البعض يصورها بهذه التسمية وكأنها أصبحت وأضحت أمورا ثانوية لا قيمة لها، ما رأيكم؟
محمد كمال إمام: لا، لأن تعريف الفرض تعريف واحد يشمل الفروض الكفائية والفروض العينية، ما هو الفرض؟ ما يثاب الإنسان على فعله ويعاقب على تركه سواء كان كفائيا أو كان عينيا فإذاً طبيعة الفرض نفسه وطبيعة الأمر الصادر فيه ووجوب القيام بالفعل الذي أمر الله به لا يختلف إطلاقا ما بين الواجب الكفائي والواجب العيني فكلاهما الإنسان إذا فعله يثاب وكلاهما الإنسان إذا تركه يعاقب. وهذه ثقافة غريبة عن المجتمع المسلم أن يتصور أن الواجبات الكفائية كأنها ليست لها الأهمية القصوى في حياة المسلمين، بل إن بعض الفقهاء يرون تقديم الواجبات الكفائية على الواجبات العينية لأن الواجب العيني يتعلق بالفرد نفسه أما الواجب الكفائي فإنما يتعلق بمجموع الأمة ومصالحها وبالتالي تقديم العام على الخاص تقديم ما هو مصلحة عامة على ما هو مصلحة خاصة من الأمور التي تقرها الشريعة الإسلامية ولدينا في قواعد الفقه الإسلامي أن العام يقدم على الخاص وأن المصلحة العامة تقدم على المصلحة الخاصة.
عثمان عثمان: ولكن ماذا إذا تعارض فرض كفائي مع فرض عيني أيهما نقدم؟
محمد كمال إمام: طبيعة الحالة هي التي تفرض يعني الفقهاء يقولون لو أن شخصا صائما -الصيام فرض عين على كل مسلم- لو أن شخصا صائما ويرى أن إنسانا أمامه يغرق وأنه لا سبيل إلى إنقاذه إلا بأن يفطر وينقذه على الرغم من أن هذا الإنقاذ هو من فروض الكفاية إذا لم يكن يوجد أفراد آخرون وكثيرون يقومون بهذا الواجب فإنه يمكنه أن يفطر وهذا ترك لواجب من الواجبات العينية لكي ينقذ هذا الغريق فإذاً عند التعارض لا بد أن ننظر إلى الحالة، هل هناك أشخاص آخرون يستطيعون أن يؤدوا ذلك الدور أم أنه لا يوجد إلا أنا ومجموعة أخرى ولا بد أن نتكاتف جميعا لإنقاذ هذا الغريق إذاً هنا يتقدم الواجب الكفائي على الواجب العيني عند التعارض الواقعي والحقيقي وكل حالة في هذه المسألة تقدر بقدرها.
عثمان عثمان: طبعا بعض الفقهاء ذهب إلى أن من يقوم بالفرض الكفائي له مزية خاصة على من يقوم بالفرض العيني وذلك لإسقاطه الحرج عن الأمة كلها، هل هذا صحيح؟
محمد كمال إمام: هو إذا نظرت إليها من الناحية الفقهية العامة ستجد أن طبعا من يؤدي واجبا يرفع الحرج عن الأمة كلها ربما يكون ذلك مقدما على من يؤدي واجبا شخصيا لكن في تأدية الواجبات عموما وقبولها عند الله هذا أمر يتعلق بالنية ويتعلق بالإخلاص ويتعلق بالآثار والنتائج وبالتالي {..إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة:27]، فإذاً قضية قبول الأعمال شيء وقضية أدائها حتى تسقط من الذمة لا تصبح ذمة الإنسان مشغولة بها ولا ذمة المجتمع المسلم مشغولة بها، أنا حينما أؤدي الصلاة صلاة الظهر أو صلاة العصر أو صلاة المغرب وكلها من الواجبات العينية حينما أؤديها سقطت باعتبارها خلاص لم تعد جزءا مما شغلت به ذمة الإنسان المسلم وينبغي أن يؤديها، لكن قبولها عند الله سبحانه وتعالى وترتب الأجر عليها هذا أمر مختلف تماما عن عملية الأداء.
عثمان عثمان: ولكن هل يمكن للفرض الكفائي أن يتحول في حالة ما من الحالات إلى فرض عيني؟
محمد كمال إمام: طبعا من الممكن أن يتحول إلى واجب عيني في صورتين، الصورة الأولى إذا كانت الحالة التي أمامي لا يمكن أن أقوم بها إلا أنا، لو تصورنا أن هناك طبيبا لا يمكنه أن يقوم بهذه العملية إلا هو، هذه حالة واقعية، فيتحول هذا الواجب الكفائي إلى واجب عيني على هذا الشخص، لو أن أناسا هوجموا في ديارهم وهوجموا في قراهم وهوجموا في بيوتهم أصبح الجهاد فرضا عينيا عليهم على الرغم أن الجهاد في صفته العامة من الواجبات الكفائية، كذلك أيضا من الأمور التي يترتب عليها تحويل الفرض الكفائي إلى فرض عيني هو تعيين الإمام، شخص معين للقضاء شخص معين للفتوى شخص معين لأن يكون طبيبا للجيش شخص معين لأن يكون أستاذا شخص معين لأن يؤدي وظيفة الإمامة، كل هذه تصبح هذه الوظائف بالنسبة لهم بالتولية من الحاكم أو من الإمام أصبحت واجبا عينيا وليست واجبا كفائيا.
مجالات الفروض الكفائية
عثمان عثمان: فضيلة الدكتور ربما نواجه إشكالية في فهم الفرض الكفائي ربما الكثير من الناس يرى أن الفرض الكفائي مقتصر فقط على صلاة الجنازة على دفن الموتى وغيرها، يعني لو أردنا أن نتحدث عن مجالات فروض الكفاية لتطال المجتمع لتطال السياسة لتطال الاقتصاد كيف نستطيع أن نجمل هذه المجالات؟
محمد كمال إمام: يعني أنت في بداية هذه الحلقة تكلمت عن دور الدولة الحديثة وتحجيمها لحركة الدين في المجتمع وهذا التحجيم طال مؤسسات مهمة، مؤسسة الوقف مثلا لم تعد قادرة على أن تؤدي دورها في ظل الدولة الحديثة على الرغم من أنها من المؤسسات الإسلامية التقليدية التي تحركت على كل مجالات الحياة سواء الحياة الاجتماعية أو الحياة السياسية أو الحياة الفكرية أو الحياة الاقتصادية وأسهمت إسهاما كبيرا في نمو الحضارة الإسلامية وازدهارها لكن الدولة الحديثة بارتباطاتها لأنه كان من ضمن مشكلات الدولة الحديثة مثلا أن توجد فيها البنوك ووجود البنوك في الدولة الحديثة كان لا بد أن يترتب عليه تحجيم نظام الوقف لأن الوقف لا يصلح للتداول الأرض التي أوقفت أو المال الذي أوقف لا يصلح للتداول بينما هذه البنوك حتى تضمن القروض لا بد لها من رهونات عقارية فكان لا بد من تحجيم نظام الوقف حتى يمكن لهذه البنوك أن تحصل على رهونات وبالتالي معركة الوقف لم تكن معركة بين وقف أهلي وبين عام أو وقف خيري وإنما كانت المعركة في حقيقتها بين الدولة الحديثة في شكلها المعاصر وفي ارتباطاتها الاقتصادية وبين البنية الاجتماعية الإسلامية..
عثمان عثمان (مقاطعا): طبعا في موضوع الوقف وما ذكرتم ربما أدى إلى فوات كثير من مصالح الواقفين والموقوف عليهم..
محمد كمال إمام: طبعا.
عثمان عثمان: يعني بهذه الجزئية ما هو دور المجتمع في استعادة هذه الأهمية للوقف؟
"
نحن نحتاج إلى بنية تشريعية جديدة يمكنها أن تساهم في دفع الناس إلى مزيد من الأوقاف حتى تستعيد هذه الأوقاف دورها الطبيعي لأن الأوقاف تؤدي إلى استقلالية العلم واستقلالية بعض الأنشطة العامة
"
محمد كمال إمام: الحقيقة دور المجتمع هو كيف يمكن للناس أو يوقفوا، حينما نريد أن نستعيد لهذا الوقف دوره لا بد أن نفتح الباب أمام أهل الخير وأمام القادرين على وضع وقفيات كثيرة وكل وقفية لها نواياها وكل وقفية لها مجالها لكن هذا يحتاج إلى إصلاح تشريعي لقوانين الوقف الحقيقة في البلاد العربية والإسلامية لأن قوانين الوقف في البلاد العربية والإسلامية هي التي قيدت وحجمت من وظائف الوقف، وأنت الآن حينما تتصور أن الوقف يستطيع وزير الأوقاف في أي دولة إسلامية أن يلغي الوقف أو أن يحوله إلى جزء من الملكية العامة أو أن يلغي شروط الوقف أو إلى آخره وبالتالي أو يقوم باستبدال الوقف دون رغبة الواقفين، كل هذه المسائل تؤدي إلى أن يحجم الناس على وقف أموالهم وبالتالي نحن نحتاج إلى بنية تشريعية جديدة يمكنها أن تساهم في دفع الناس إلى مزيد من الأوقاف حتى تستعيد هذه الأوقاف دورها الطبيعي لأن الأوقاف تؤدي إلى استقلالية العلم وتؤدي إلى استقلالية بعض الأنشطة العامة وتؤدي إلى دور فاعل للمجتمع المدني كل هذه تؤديها الأوقاف فحينما تستعيد هذه الأوقاف عافيتها الدينية وعافيتها القانونية يمكن أن تثمر خيرا كثيرا على الأمة العربية والإسلامية.
عثمان عثمان: طبعا الوقف هو أحد مجالات فرض الكفاية، هل هناك مجالات أخرى؟
محمد كمال إمام: طبعا مجالات الواجب الكفائي ليست محدودة بنظام معين يعني نحن نقول إن هناك واجبات..
عثمان عثمان (مقاطعا): طبعا عندما نقول الواجب وفرض كفائي بنفس المعنى.
محمد كمال إمام: نعم، حينما نقول إن هناك واجبات ينبغي أن يقوم بها الفرد بنفسه كأداء الزكاة وأداء الصلاة والصيام وغير ذلك، وهناك واجبات ينبغي أن تقوم بها الأمة ولكن ليس كل فرد في أفراد هذه الأمة وإنما إذا قامت به مجموعة سقط عن الآخرين عبء القيام به أو تكليف القيام به. نحن من الأمور التي يجب أن تتم في المجتمع أن يوجد علماء أن توجد مصانع أن يوجد أطباء أن يوجد مثقفون أن يوجد رجال إعلام أن يوجد رجال دعوة أن يوجد رجال إفتاء أن يوجد رجال اقتصاد، كل هذه المجالات لا بد أن تكون موجودة في المجتمع لأن مصالح الناس مرتبطة بها ولذلك نظام الوقف يتحرك على مصالح الناس نظام التعليم يتحرك على مصالح الناس والواجبات الكفائية إنما هي واجبات كفائية لأنها تكفي المجتمع وتحقق له الانطلاق نحو خير عام نحو علم عام نحو صحة عامة نحو سكينة عامة وغير ذلك من المجالات ولذلك نحن نخطئ إذا ظننا أن فكرة الواجب الكفائي حبيسة نظام العبادات، حبيسة المسجد، لا، هي تنطلق في كل المجالات، نحن نريد أن نصنع رجال حكم صالحين، هذا واجب..
عثمان عثمان (مقاطعا): فضيلة الدكتور في هذه الجزئية يعني ألا ترون دورا مهما وواجبا على المعاهد الشرعية على الجامعات الإسلامية على علماء الدين أن يعطوا هذه المساحة الواسعة للفرض الكفائي كما تتفضلون؟
محمد كمال إمام: هم ينبغي أن يفسروا هذا الواجب الكفائي، أن يبينوا أن الواجب الكفائي ليس قاصرا على موضوع العبادات أن الواجب الكفائي ليس قاصرا على جزء من الفقه ونترك فقه الحياة كلها، هذا ما يقوم به الداعية وما يقوم به عالم الإسلام وما يقوم به الفقيه لكن تحريك الواجب الكفائي في الحياة الاجتماعية يحتاج إلى أنظمة وقواعد وقوانين فإذاً المسؤولية لا تلقى فقط على عاتق الدعاة ولا على عاتق رجال الإفتاء ولا على عاتق رجال الفقه وإنما تلقى على عاتق المجتمع كله، حينما نقول إنه لا بد أن يوجد نظام سياسي إذاً لا بد أن توجد رقابة ما بين الحاكم والمحكوم هذه الرقابة من الواجبات الكفائية لأنها تعدل مسار النظام وفي نفس الوقت أيضا تجعل النظام صالحا لتأدية واجباته حينما يحس أنه تحت دائرة رقابة الأمة، رقابة الأمة هنا ليست أمرا سهلا وليست أمرا يعني يختلف عن القيام بأداء الصلاة أو أداء الصيام وبالتالي إذاً لا بد أن نعرف أن القيام بالواجبات الكفائية إنما هو قيام بمصالح الأمة كلها في كافة صورها ومن خلال أنشطتها المختلفة. أنا أعلم أنه كثيرا ما ننظر إلى ما أسميه متون الفقه، الفقه الساكن الذي نقرؤه لكن لا نراه وهو يتحرك في واقع الناس لكن إذا نحن دخلنا إلى النوازل وكتب الفتاوى التي تتعلق بواقع الناس في كل جزئية من جزئياتها، تأتيك امرأة لتحدثك عن مشكلة طلاق، يأتيك رجل ليحدثك عن مشكلة أنه يريد أن يأكل أولاده ويشربوا، يأتيك آخر بأنه يريد أن يعالج، يأتيك آخر بأنه يريد أن يتعلم، يأتيك آخر بأنه يريد يسافر، كيف كان يتصرف الفقيه أمام هذه الطلبات أو أمام هذه الحاجة؟
عثمان عثمان: ماذا كان يفعل؟
محمد كمال إمام: كان طبيبا يقوم بأداء دوره بأن يعالج ويطالب بإنشاء مؤسسات طبية يقوم الأوقاف ويقوم أهل الخير وتقوم الدولة بتمويلها بحيث يحقق هذه المصالح العامة، أن يقوموا بإعداد المدارس سواء قامت بها الدولة أو قام بها القادرون من الأفراد بحيث تؤدي هذه الخدمة التعليمية، أن يقوم بإنشاء المعاهد الدينية بحيث تؤدي خدمة تعليم الدين وتثقيف الناس في المسائل التي تتعلق بالفقه وتتعلق بالقرآن وتتعلق بالتفسير وتتعلق بالحديث إذاً يعني حينما يحس القائد في داخل هذه المجتمعات سواء كان قائدا سياسيا أو قائدا فكريا بحاجة الأمة فعليه يصبح الواجب الكفائي هنا الطلب به جزءا معنيا عليه لأنه أصبح قائدا وأصبح له دور وأصبح عليه وظيفة، كون أننا نحصره كما قلنا في المسائل الحياتية التي تتعلق بأداء العبادات وأداء الشعائر هذا لم يقل به أحد من فقهاء المسلمين.
عثمان عثمان: طبعا دكتور نحن ذكرنا وأكدنا على هذه المسألة، على تغول الدولة وعلى سيطرتها على الشأن العام وعلى دور الناس في استعادة هذا الدور المفقود يعني بعض الدول الإسلامية أو إحدى الدول الإسلامية هناك مجموعة من الشباب نظمت نفسها لمحاربة الرشوة فتم اعتقالها والقبض عليها بتهمة إنشاء تنظيم غير مرخص، يعني السؤال ما هو دور الناس في ممارسة الشؤون العامة؟ أسمع منكم الإجابة إن شاء الله بعد وقفة قصيرة، فاصل ونعود إليكم مشاهدينا الكرام فابقوا معنا.
[فاصل إعلاني]
دور الناس في ممارسة الشؤون العامة
عثمان عثمان: مرحبا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان فروض الكفاية ودورها في بناء الأمة مع فضيلة الدكتور محمد كمال إمام. فضيلة الدكتور ما هو دور الناس في ممارسة الشؤون العامة؟
محمد كمال إمام: أنا فقط أريد أن أفصل بين أمرين، بين الإذن في أداء الواجبات وبين أداء الواجبات نفسها، يعني هناك بعض الواجبات هل يجب أن نستأذن الدولة في القيام بها مثل واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل ممارسة المهن المختلفة مثل مهنة التعليم مثل مهنة الطب مثل مهنة الرقابة كل هذه هل لا بد أن نستأذن، مثل حتى تعمير الأراضي الصحراوية وإنشاء مزارع عليها، هناك من يرى أن إذن الإمام ضرورة هناك من لا يرى أن إذن الإمام ضرورة. في مجتمعاتنا المعقدة وفي ظل الدولة الحديثة لا ينبغي أن تترك هذه الأمور بدون تنظيم وبالتالي فكرة إذن الإمام هنا وليس استبداده بمنح التراخيص وإنما إذن الإمام بمعنى أنه يحرك هذه المساحات لكن تحت ضوء رعايته حتى لا يحدث تصادم حتى لا يحدث تنازع حتى لا يحدث تشابك، لكن فكرة الإذن موجودة حتى في مجال العبادات حتى في مجال الجهاد، أنت حينما تكون لك أسرة كبيرة أو أب وأم وتدعى إلى الجهاد والأمر ليس فرضا عينيا وإنما فرض كفائي فيجب عليك الاستئذان لأنه هنا في بعض الأحيان يصبح الإذن ضرورة والإذن يؤدي وظيفة اجتماعية لكن ليس الإذن تعني أن هذه الواجبات تصادر من جانب الدولة، المشكلة ليست في مشكلة التنظيم والإذن ولكن المشكلة الحقيقية في مشكلة أن كثيرا من هذه الواجبات تمت مصادرتها بواسطة الدولة، الدولة كما قلنا..
عثمان عثمان: يعني هنا الإشكالية.
محمد كمال إمام: هنا الإشكالية، جعلت مؤسسة الوقف غير فاعلة وغير عاملة وهذه مصادرة لمؤسسة اجتماعية كبيرة..
عثمان عثمان (مقاطعا): هل نستسلم لهذا القرار؟
محمد كمال إمام: لا نستسلم لهذا القرار وإنما نظل نوقف ونظل نحارب من أجل الوقف بمعنى أن نذهب إلى القضاء إذا ما اعتدي على الوقف يعني نقوم بكل الجهود التي يمكن أن يقوم بها المواطن العادي في سبيل حماية حق من حقوقه لأن الواجبات حينما نمنع عن القيام بها فقد منعنا ليس عن أداء واجب وإنما عن حق ينبغي أن نقوم به. الأمر الثاني أن هذه الواجبات الكفائية غيابها من المجتمع يؤدي إلى آثار سلبية على المجتمع، المجتمع ستتراخى العلاقات الاجتماعية فيه إذا تصورنا أن نظام الوقف غير موجود، ستتراخى العلاقات الدينية فيه إذا تصورنا أن المسجد لم يقم لكي يؤدي دوره ومن مشاكل الدولة الحديثة أنها ممكن أن نقول إنها أممت المسجد بأنها جعلت كل ما يقال حتى وكأن الخطبة التي تقال في المسجد لا بد أن تكون مكتوبة ولا بد أن تكون مراجعة ولا بد أن تكون مقروءة، لا، نضع قواعد عامة ونؤهل الناس الذين يتصدون لهذه الوظائف المهمة في حياة الناس ولكن لا نصادر الفكر، هذا يقول بطريقته وهذا يقول بطريقته وهذا يستطيع أن يستدعي جمهورا مثقفا وهذا يستطيع أن يستدعي جمهور الشعب الذي في القرية أو في مكان بعيد يعني إذاً لا بد من وحدة الهدف ولكن تنوع الأساليب.
عثمان عثمان: إشكالية كبيرة فضيلة الدكتور يعني حتى من يمارس الشأن العام الكثير منهم يعتبرون أن ذلك حقا لهم بل هو ربما يكون واجبا كفائيا، كيف يمكن أن يكون الواجب الكفائي مدخلا لتحويل هذا الشأن العام إلى واجب على بعض الفئات؟
محمد كمال إمام: يعني في الإسلام الحق والواجب وجهان لعملة واحدة يعني في العملية الانتخابية حتى أختار من يمثلني في المجالس النيابية ومجالس المحليات وحتى مجالس الكليات وغيرها حينما يكون الأمر معروضا للانتخابات أنا هذا حق من حقوقي السياسية أن أمارس بلغة الدولة الحديثة حقوقي السياسية في إعلان رأيي في اختيار فلان أو عدم اختيار فلان، لكن هو في نفس الوقت أيضا خروجي إلى الانتخاب والاختيار وإصابة هذا الاختيار بمعنى أن أختار الأصلح وليس من هو يحقق مصالحي أنا فقط وإنما من يحقق مصالح المجتمع هذا واجب وهذا هنا ليس مجرد واجب كفائي لا ده هو واجب عيني على كل القادرين لأنه أنا هنا لا أنوب فقط عن الأمة وإنما أنا أمثل مجموعة الناخبين أو جمهور الناخبين وجمهور الناخبين قيامه بواجبه الانتخابي ليس واجبا كفائيا وإلا ذهب مجموعة ومجموعة لم يذهبوا وبالتالي نجح الذين ذهب مؤيدوهم ورسب الذين لم يذهب مؤيدوهم، هذه مشكلة حقيقية إذاً هنا الواجب الكفائي يأخذ صفة الواجب العيني لكن هو واجب كفائي لأن الكثيرين لا يقومون به لأنهم لا يستطيعون القيام بهذا الدور إذاً عملية الواجب الكفائي والواجب العيني وعملية الحق والواجب هي أوجه لصيغة معينة ومحددة هي ما تسمى الواجب الذي يثاب الإنسان على فعله ويعاقب على تركه ولكن هذه الصور المختلفة لا يغني بعضها عن بعض يعني لا يغني واجب أداء الصلاة عن إنقاذ المريض لا يغني واجب إنقاذ المريض عن إنقاذ الغريق لا يغني إنقاذ الغريق عن إقامة مؤسسة تعليمية لا يغني إقامة مؤسسة تعليمية عن إقامة مستشفى لا يغني إقامة مستشفى عن أن أقوم أنا بأداء صوتي الانتخابي بحرية لكن أيضا بمسؤولية بمعنى أن لا أختار إلا من يستحق هذا الاختيار عن كفاءة وجدارة والجدارة هنا علمية ودينية وأخلاقية ليست مجرد كفاءة عادية ليست مجرد شخص يملك مالا ولا يملك نفوذا ولا يملك جاها وإنما يملك مقومات تحقيق المصالح العامة للناس.
عثمان عثمان: فضيلة الدكتور طبعا هناك الآن ما يسمى بمنظمات المجتمع المدني كالجمعيات الأهلية والنقابات والجمعيات وأجهزة الإعلام وغير ذلك التي تحاول أن تأخذ دورا في بناء الأمة وإعادة تصنيع الحياة العامة بشكل مواز لإجحاف الدولة بهذا الموضوع، هل يدخل هذا أيضا في إطار الفرض الكفائي؟
محمد كمال إمام: طبعا، كل ما تتحقق به مصالح الناس وإذا قام به مجموعة أغنى عن الآخرين هذا يعد من الواجبات الكفائية، لكن هنا لا بد أن نتحرى الدقة لأن تأسيس منظمات المجتمع المدني هذا تأسيس يقوم على تحديد نوع المنظمة غاية المنظمة عمل المنظمة أهداف المنظمة، المنظمة من الناحية التجريدية كبناء يحقق مصالح الناس هذا من الواجبات الكفائية لكن أية منظمات؟ لا بد أن تكون هذه المنظمات بالفعل تحقق غايات الناس وتحقق مصالح الناس وإلا أطلقنا الأحكام الشرعية وأعطينا المشروعية لكل جمعية بغض النظر عن نوعها، هناك جمعية لتعدد الأزواج وهناك جمعية لتعدد الزوجات وهناك جمعية.. الجمعيات التي نسمع عن أسمائها والنوادي التي نسمع عن أسمائها هل نعتبر هذه أنشطة مجتمع مدني من وجهة نظر إسلامية؟ بالطبع إذاً لا بد أن تكون الأهداف واضحة الغايات واضحة الغطاء الإسلامي والديني لهذه المنظمات واضحة وإلا أصبحت منظمات مجتمع مدني بالمعنى السياسي أو بالمعنى العلمي لكنها ليست منظمات مجتمع مدني بالمنظور الإسلامي ومن وجهة نظر الشريعة الإسلامية.
مقاصد الفرض الكفائي وأهميته في حياة الأمة
عثمان عثمان: طبعا التعريفات الفقهية ربما أدت إلى حصر مفهوم الفرض الكفائي في موضوع يعني رفع الإثم أو الحرج الأمر الذي أغفل الدور في بناء الأمة وصناعة الحياة وتضييع مقاصد التكليف مقاصد الفرض الكفائي، ما هي هذه المقاصد فضيلة الدكتور؟
محمد كمال إمام: طبعا نحن قلنا إن الرفض الكفائي مرتبط بمقاصد الأمة ككل، بمصالح الأمة ككل، ما هي مصالح الأمة ككل؟ حفظ المال، اللي هي المقاصد الخمسة، حفظ الدين، حفظ العقل، حفظ النسب، حفظ العرض، كل هذه من مقاصد الشريعة الإسلامية، هذه المقاصد لا بد أن نقيم مؤسسات على ضوء فكرة الواجبات الكفائية تستطيع كل مؤسسة أن تمثل حماية لهذه المقاصد الشرعية، الحماية من جانب العدم كما يقول الإمام الشاطبي والحماية من جانب الوجود، أنا أحمي النفس من جانب العدم عن طريق منع القتل عن طريق منع الاعتداء على الإنسان عن طريق منع إيذاء الإنسان هذا حمايته من جانب العدم، من جانب الوجود أن أجعله يتغذى ويأكل ويشرب ويتعلم ويعالج، كل جانب من هذه الجوانب تتحرك فيه الواجبات الكفائية لأنه إذا لم أكن قادرا على أن آكل بنفسي أصبح مفروضا علي أن آكل من خلال أسرتي من خلال مجتمعي من خلال دولتي "والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع" إذاً هذه العملية التي تقوم بها الواجبات الكفائية إنما تتحرك مع مقاصد الشريعة في جانبيها، جانب الوجود من خلال دفع المجتمع لأن يقوم بدور في التنمية وفي تحقيق الإشباع النفسي والإشباع الذاتي والإشباع الخاص بالقوت والإشباع الخاص بالتعليم والإشباع الخاص بالصحة وأيضا يمنع وسائل الجريمة ووسائل الاعتداء، أنا حينما أرى الآن شخصا يعتدي على الآخر وأقف موقفا سلبيا طيب ما هو الواجب الكفائي هنا؟ الواجب الكفائي هنا أن يتحرك كل الذين يرون هذه الجريمة وهذا العدوان من أجل إنقاذ ذلك الشخص من براثن هذا المعتدي وهذا واجب كفائي إذا قام به البعض سقط عن الباقين وإذا لم يقم به أحد أثمت الأمة الإسلامية كلها، ليس بالضرورة أن يكون في كل مكان رجل شرطة لأنه قد يكون رجل الشرطة موجودا وقد يكون غائبا ولكن حينما يغيب رجل الشرطة تتحول مسؤوليته مباشرة إلى المجتمع وإلى أفراده ولا بد أن يقوموا بهذا الواجب باعتباره واجبا كفائيا إلى أن تقوم الدولة أو يعود مرة أخرى رجل الشرطة إلى موقعه أو مكانه. المسلم لا يعرف يعني هذا التخلي عن الواجبات لا يعرف أن يقول هذا ليس من شأني وإنما من شأن الدولة، هذا ليس من شأني وإنما من شأن أستاذي أو من شأن زميلي أو من شأن صديقي، لا، "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى".
عثمان عثمان: طبعا هذا في المعنى الإيجابي أما في المعنى الإيجابي أو السلبي يأتي موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمن هذا الواجب الكفائي. لكن دكتور نجد هناك تقصيرا واضحا في مجتمعاتنا العربية وفي مجتمعاتنا الإسلامية عن القيام بهذا الواجب الكفائي، إلام تعزون ذلك يعني هل هو ناتج عن سوء فهم لهذا الموضوع؟
محمد كمال إمام: أنا أعتقد أن عدم قيام الناس بالواجب الكفائي له أسباب متعددة من بين هذه الأسباب وربما يأتي في مقدمتها الدولة الحديثة التي تريد أن تحتكر الأمر والنهي والقيام بالواجبات حتى دون أن تؤديها تأدية حقيقية في داخل المجتمع، هذا جزء من المشكلة. الجزء الثاني من المشكلة، الناس مشغولون بحياتهم الفردية فلا ينظرون إلى الحياة الجماعية لأنهم معرضون في كل لحظة لمشكلات الأكل والشرب والعيش والحصول على الرزق وهكذا فبالتالي في هذه المعركة التي يقومون بها ربما يغفلون عن قيامهم بهذه الواجبات الكفائية التي هي بالضرورة هامة وبالضرورة ينبغي أن توجد في حياة المجتمع. هناك أسباب أخرى هي تراخي القيم الدينية في حياة الناس، حينما نحصر الدين في المسجد فقط ونجعل وظيفته في أداء العبادات فقط فنحن نجعل هذا الدين لا يقوم بدوره الاجتماعي وإذا لم يقم الدين بدوره الاجتماعي تساقطت كثير من الواجبات الكفائية عن الحركة والعمل في المجتمع. إذاً هناك أسباب كثيرة بعضها أسباب اجتماعية وبعضها أسباب دينية وبعضها أسباب سياسية تتعلق بعلاقة الدولة بحركة المجتمع كل هذه الأسباب مجتمعة أدت إلى تراخي الناس في قيامهم بواجباتهم الكفائية لكن هذا التراخي من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، ما هو الموقف منه؟ هذا التراخي إنما هو إثم من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، مخالفة شرعية، لماذا؟ لأن الواجب لا بد أن يؤدى كما أن الإنسان إذا أدى الواجب يثاب فإذا امتنع عن أدائه يعاقب، لا بد أن يحس الناس أنه واجب وأنه يكتسب كل صفات الواجب التي تعطي المثوبة لمن يقوم به وأيضا تنزل الجزاء والعقوبة على الذي لا يقوم به، هذه الفكرة لا بد أن تكون حضارة، حضورها كيف؟ حضورها في التعليم، في المدرسة وهي تضع المناهج، في وسائل الإعلام في برامجها، في الحكومة وهي تضع تشريعاتها وقوانينها، في الأسرة وهي تربي أولادها، أي أن مسؤولية استعادة الواجبات الكفائية لدورها الحيوي في حياة المجتمع لم تعد مسؤولية فرد ولم تعد مسؤولية مجتمع صغير وإنما أصبحت مسؤولية متكاملة تقوم بها كل أجهزة النظام الاجتماعي بداية من الدولة انتهاء بالأسرة.
عثمان عثمان: طبعا وهنا لا نستطيع أن نغفل دور الخطاب الديني في تعميق هذا الفهم خاصة ونحن نرى بعض الدعاة ربما يركز على الواجبات العينية يركز على ملح العلم على حساب الفروض الكفائية، ماذا تقولون هنا للدعاة فضيلة الدكتور؟
محمد كمال إمام: هو طبعا يعني أنا أتصور أن الدعاة الآن أو الدعاة مشغولون بالخطابة وليس بالخطاب الديني..
عثمان عثمان: كيف ذلك؟
محمد كمال إمام: يعني كل منهم يريد أن يجعل صوته مسموعا وأن يجعل انتشاره كبيرا وأن يجعل صورته كداعية بحيث أصبحنا الآن نرى لافتات ترفع صورا للدعاة وإلى غير ذلك من الأمور التي لا أظنها مألوفة ولا أظنها مستحبة لكن الشيء الأهم من هذا كله هو أن يحول الداعية الواجب الكفائي إلى موقعه الطبيعي فيعرف الناس أن هذا الواجب ينبغي أن يؤدى وأن عدم أدائه يترتب عليه عقاب من الله سبحانه وتعالى وأن عدم أدائه يترتب عليه أيضا سلبيات اجتماعية كثيرة في حياة الناس وأن غياب الدين عن المجتمع يبدأ بغياب الواجبات الكفائية، حينما تغيب الواجبات الكفائية يغيب الدين عن المجتمع بعض الواجبات الكفائية أو حتى يعني التي تمثل نوعا من السنن يعني الخطابة مثلا أو الأذان، الأذان إعلام بدخول وقت الصلاة لكن إذا امتنع أهل قرية كاملة أو أهل مدينة كاملة عن إقامة هذه الشعيرة قوتلوا عليها أو أرغموا عليها، لماذا؟ لأن حضور الدين في حياة الناس مهم فالأذان يعني أن الدين حاضر وأن هناك مسجدا وأن هناك دعوة إلى الصلاة وأن هناك دعوة إلى أداء الواجبات. نحن نريد أن نحرك كل قنوات الاتصال في المجتمع لأن توقظ في الإنسان ضميره الديني وأن توقظ في الإنسان حياته الدينية، ليس معنى ذلك أننا نغفل الحياة الاجتماعية الأخرى وإنما نعتبر هذه الحياة الاجتماعية الأخرى هي جزء من الدين كما أن الدين جزء منها لأنه حينما ندعو إلى العلم ندعو إلى الدين حينما ندعو إلى الطب ندعو إلى الدين حينما ندعو إلى الرقابة المتبادلة ما بين المجتمع والدولة ندعو إلى الدين يعني لا نفصل الواجبات الدينية عن واجباتنا الحياتية لأنها جزء مما أمرنا الله به سواء كان ذلك واجبا كفائيا أو كان ذلك واجبا عينيا.
عثمان عثمان: في موضوع العلوم فضيلة الدكتور حتى وقت قريب كان بعض العلماء يقولون بأن العلوم التطبيقية البحتة لا تدخل في إطار الاهتمام الديني في حين أننا عاجزون عن تصنيع ما نحتاجه عن زراعة ما نقتاته وأصبحنا عالة على الغرب وعلى غير ذلك وانشغل الكثيرون بقضايا ربما منها الإعجاز العلمي، أين فرض الكفاية من كل هذا؟
محمد كمال إمام: طبعا إذا قارنا بين القيام بالعلم وفروضه وبين الإعجاز العلمي نعتبر الإعجاز العلمي من النوافل لأن هذا مجرد تأمل لكن حينما أتكلم عن العلم ودوره في الحياة أتكلم هنا عن الحياة اليومية، قد قلت لك قبل هذه الحلقة إنه من الطبيعي للإنسان المسلم إذا كان طبيبا أن يصلي قبل أن يدخل إلى غرفة العمليات ويطلب من الله سبحانه وتعالى التوفيق لكنه لا بد أن يدخل إلى غرفة العمليات ومعه الأجهزة التي يقوم بها بهذه العملية أدوات العملية بعد أن يتم تطهيرها وأن يدخل ومعه طبيب التخدير وأن يدخل ومعه الدم الذي يحتاجه إذا ما أراد إنقاذ المريض وأن يدخل ومعه كل ما يقول به العلم، طيب من أين سيدخل إلى هذه الغرفة وهي غرفة العمليات إذا لم يكن عالما وإذا لم يكن طبيبا ماهرا وإذا لم يكن الـ staff يستطيع أن يعتمد عليه في هذه الحركة؟ إذاً القول بأن العلم في جانب والدين في جانب هذه مقولة ليست إسلامية ولا يعرفها الإسلام، كل شيء يحتاجه الإنسان في حياته إنما هو جزء من واجباته إما العينية أو واجباته الكفائية وإذا كانت هي من واجباته يعني ما يعاقب على تركه ويثاب على فعله، دخلنا من منطقة الحياة والعمل اليومي إلى دائرة الإيمان والتقييم المعياري الخاص بالدين، إذاً الذين يتصورون أن العلوم التطبيقية أنه من أين تأتي الإضاءة ومن أين يأتي التلفزيون ومن أين يأتي التواصل مع العالم الخارجي إذا لم أكن ملما بكيفية عمل هذه الأجهزة وبكيفية تصنيعها وبكيفية استخدامها وبكيفية توصيلها؟ هذا الفصل فصل لا يعرفه الإسلام وإنما هو في ذهن من يريدون أن يجعلوا الدين في جانب والنظام الحياتي للإنسان في جانب آخر.
عثمان عثمان: طبعا يعني استطرادا في موضوع العلم بالذات هناك ما يسمى الآن بتوازن الرعب الذي كان قائما ما بين أميركا وروسيا سابقا في موضوع السلاح النووي، ما بين الهند وباكستان، لو أردنا أن نتحدث عن توازن الرعب هذا وإيجاد هذا السلاح الذي يحقق هذا التوازن ويرفع الغبن عن هذه الأمة، أين يقع الفرض الكفائي هنا؟
"
المجتمعات الإسلامية ترى أن هناك مخاطر تتعرض لها لأنها لا تستطيع أن تكون في النادي النووي العالمي، فعليها واجب ليس كفائيا بل واجبا عينيا أن تكون في داخل هذا النادي النووي العالمي حفاظا على أمتها وعلى مصالحها وعلى دينها
"
محمد كمال إمام: نظرية المصالح والمفاسد، أنت أشرت إلى المقاصد، نظرية المصالح والمفاسد، بغض النظر عن كون الأسلحة النووية مدمرة فهي أيضا علاج لكثير من الأمراض بل هي في حد ذاتها عنصر ردع وبالتالي إذا كانت المجتمعات الإسلامية ترى أن هناك مخاطر تتعرض لها نتيجة أنها لا تستطيع أن تكون في النادي النووي العالمي فعليها واجب ليس كفائيا وإنما واجب عيني أن تكون في داخل هذا النادي النووي العالمي حفاظا على أمتها وعلى مصالحها وعلى دينها وإذا كان الآخرون يتوازنون بواسطة الرعب فمن حقنا نحن الذين نعيش على ظهر الكرة الأرضية ونتعامل مع هؤلاء الناس ونتعرض لإكراههم ونتعرض لغزواتهم ونتعرض لسلبهم لأرضنا ولمقدساتنا ولثرواتنا لا بد أن نحمي أنفسنا. {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطعْتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ..}[الأنفال:60] إذاً كل ما يؤدي إلى الردع، الرعب هنا نوع من الردع ليس هجوما مباشرا ليس اعتداء لأن الإسلام لا يعرف العدوان وإنما أنا أريد أن أحصن نفسي إلى الدرجة التي يخاف الآخرون من أن يعتدوا علي لأنهم لا يعرفون نتيجة هذا الاعتداء سوف تكون المعركة بالنسبة لهم خاسرة أو غير معروفة النتائج، إذاً اللجوء إلى القوة بكل مسمياتها سواء كانت قوة عسكرية تتمثل في سلاح نووي أو في كثرة جنود أو في أسلحة حديثة ولكن تظل الأمة الإسلامية محكومة بمعايير استخدامها لهذه القوى التي تحصل عليها، لا بد أن تستخدمها استخداما لصالحها ولصالح الإنسان ولمنفعتها ولمنفعة الإنسان وليس للإفساد في الأرض لأن المسلمين ما جاؤوا إلى هذه الدنيا إلا ليعمروها ولا ليفسدوها.
عثمان عثمان: بالعودة إلى صدر هذه الحلقة وإلى قول الله عز وجل {..فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُواْ فِي اْلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}، نتحدث عن العلوم الشرعية، ما هو الفرض العيني بتعلمها وما هو الفرض الكفائي؟
محمد كمال إمام: يعني هناك أركان الإسلام لا بد للإنسان أن يعرف كيف يصلي، هذا واجب عيني، أن يعرف أن هناك قسطا من القرآن لا بد أن يحفظه حيث يستطيع أن يؤدي الصلاة، لا بد أن يعرف أركانها لا بد أن يعرف الطهارة لا بد أن يعرف الوضوء، الصيام متى يبدأ متى ينتهي ما هي نواقض الصيام ما هي موانعه إلى غير ذلك، أن يعرف الزكاة ما هي أنصبائها ما هي مقاديرها، هذا اللون من العلم بالنسبة للإنسان المسلم هو فرض على العين لأنه لا بد أن يؤديه وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. أما الواجبات الكفائية فأن يكون لدينا أطباء وأن يكون لدينا مذيعون وأن يكون لدينا رجال أعمال وأن يكون لدينا مهندسون وأن يكون لدينا رجال بحارة وأن يكون تجار وأن يكون رجال جيش هؤلاء لا يمكن أن نتصور أن الأمة كلها ستتحول إلى أطباء أو ستتحول إلى مدرسين أو تتحول إلى رجال إعلام أو رجال تجارة أو رجال زراعة إذاً هذا التخصص وهذا التنويع هو من سر حكمة الله في الكون، كل ميسر لما خلق له، من يستطيع أن يكون عالم ذرة فليكن عالم ذرة ومن يكون عالم تشريع فليكن عالم تشريع، ومن يكون عالما في التفسير فليكن عالما في التفسير وكلما استعد هؤلاء لتخصصاتهم وقاموا بواجباتهم فقد رفعوا العبء عن الأمة ورفعوا الإثم عن الأمة لأنه وجد الفريق الذي أشرت إليه الذي يؤدي واجبه في إيقاظ الأمة وفي تهيئتها لاستقبال حياتها الدينية وفي استقبال حياتها السياسية وفي استقبال مصالحها ورعايتها ومن هنا يصبح هذا التقسيم تقسيما ليس للتفتيت وإنما تقسيم لجمع الأمة على الخير لتصبح خير أمة أخرجت للناس.
عثمان عثمان: يعني ما تقوم به العبادات من أركان وشروط وسنن ونوافل يجب على المسلم أن يتعلمه فرضا عينيا أما فيما..
محمد كمال إمام (مقاطعا): ما يتعلق بالفروض يعني لا ينبغي أن نضم النوافل إلى.. هي لا بد أن يتعلمها ولا بد أن يعرفها لكن لو تصورنا.. ليست من.. لا نتصورها من الواجبات العينية، طالما أننا دخلنا من إطار الفرض إلى السنة فانتقلنا إلى مجال آخر من الفقه.
عثمان عثمان: نعم. في ختام هذه الحلقة لا يسعنا إلا أن نشكركم فضيلة الدكتور محمد كمال إمام أستاذ الشريعة في كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية على حضوركم معنا وعلى هذه الإفاضة الطيبة. كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة، لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب والمخرج منصور الطلافيح وهذا عثمان عثمان يترككم بأمان الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
--------------------------------------------------------------------------------
المشرف alone_meno