[color=red]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الميزان شعار العدل، ورمز يرضي من الناس ذوي الفطر السليمة، لذلك يتخذه الناس شعارا للعدل في الأماكن التي يرجى فيها العدل كالمحاكم، وأكثر الناس يرضون به، وهذا الرضا نابع من طبيعة الميزان حيث أن له كفتان ولسان فإذا امتلأت إحداهما مال لسان الميزان تجاهها، وغالب الناس يستسلمون لنتائج أعمالهم طالما كانت معاملتهم بالعدل دون ظلم أو بغي.
ولما كانت الفطرة السليمة ترتضي هذه القاعدة، ولما كان دين الله هو دين الفطرة التي فطر الناس عليها، أخبر عباده انه سيقيم لهم موازين القسط يوم القيامة واخبرهم بأنه لن يظلم أحدا، بل انه قد حرم على نفسه الظلم، واخبرهم أنهم سيحاسبون على ما كسبت أيديهم، وأنها لاتزر وزارة وزر أخرى ، وان تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى.
فبين سبحانه وتعالى في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، بيانا شافيا؛ أنها ستنصب الموازين يوم القيامة وستعرض عليها أعمال العباد، فتوضع الحسنات في كفة والسيئات في الكفة الأخرى، فمن ثقلت كفة حسناته وخفت كفة سيئاته فاز ونجا، ومن خفت كفة حسناته وثقلت كفة سيئاته خاب وخسر وهلك.
قال تعالى:عن كمال عدله ودقة محاسبته: ((كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ))(المدثر:38)
((وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ))[البقرة:281]
(( الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ))[غافر:17]
((فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ))[يس:54]
وقال تعالى، مبينا وزن أعمال العباد بالقسط: ((وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ) ((الأعراف (8 ، 9 )
((وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)) الأنبياء( 47 )
((فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَة )) القارعة (6-11 )
((فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) )) المؤمنون (102 – 104 )
وجاء عند البزار وصححه الألباني في صحيح الجامع، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الميزان بيد الرحمن يرفع أقواما ويضع آخرين).
ونقل الحافظ في الفتح عن أبي القاسم اللالكائي عن سلمان انه قال : ( يوضع الميزان وله كفتان لو وضع في احدهما السموات والأرض ومن فيهن لوسعته)
وفي مصنف ابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب أنه قال في خطبته : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وتزينوا للعرض الأكبر ، يوم تعرضون لا يخفي منكم خافية.
لطف الله بعباده :
ومن رحمته ولطفه بعباده، انه بين لهم هذه الحقيقة بيانا شافيا بما لا يدع مجالا للشك.
فمن ذلك ، انه يسر لهم فعل الحسنات التي ترجح الميزان ورغبهم فيها وحذرهم من السيئات التي تثقل كفة السيئات ونفرهم عنها.
ومنها أن جعل الحسنة بعشر أمثالها، حتى أن العبد يفعل الحسنة فتثقل بقدر عشر مرات على وزنها، بينما جعل السيئة ترجح في ميزان السيئات مرة واحدة على وزنها
ومن ذلك: انه جعل الحسنات يذهبن السيئات، فقال تعالى: (( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ))[هود:114]
ومن ذلك: انه جعل الاستغفار يذهب السيئات ويخفف كفتها.
ومن ذلك: انه جعل التوبة النصوح تتبدل بها السيئات إلى حسنات، فهي بذلك تخفف كفة السيئات وتثقل كفة الحسنات في آن واحد، قال تعالى : (( إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الفرقان (70)
ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أسلم العبد فحسن إسلامه كتب الله له كل حسنة كان أسلفها و محيت عنه كل سيئة كان أزلفها ثم كان بعد ذلك القصاص الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف و السيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها )، أخرجه مالك والنسائي عن أبي سعيد وصححه الألباني في صحيح الجامع
ومن ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله تعالى كتب الحسنات و السيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله تعالى عنده حسنة كاملة، فإن هم بها فعملها كتبها الله تعالى عنده عشرة حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة و إن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة فإن هم بها فعملها كتبها الله تعالى سيئة واحدة و لا يهلك على الله إلا هالك) متفق عليه من حديث ابن عباس
ومن ذلك: مضاعفة أجور بعض الأعمال الصالحة بحيث لا تقاومها السيئات؛ مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث البطاقة: (يصاح برجل من أمتي يوم القيامة على رءوس الخلائق فينشر له تسعة و تسعون سجلا كل سجل مد البصر ثم يقول الله تبارك و تعالى : هل تنكر من هذا شيئا ؟ فيقول : لا يا رب فيقول: أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول : لا يا رب ثم يقول : ألك عذر، ألك حسنة ؟ فيهاب الرجل فيقول : لا فيقول : بلى إن لك عندنا حسنة و إنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده ورسوله فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة و البطاقة في كفة فطاشت السجلات و ثقلت البطاقة ) رواه ابن ماجة والحاكم عن ابن عمرو وصححه الألباني في صحيح الجامع
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم : (من قرأ ،قل هو الله أحد، عشر مرات بنى الله له بيتا في الجنة ) أخرجه احمد وصححه الألباني في صحيح الجامع